برقية موجزة من رئاسة الجمهورية
أنهت مهام الرجل القوي كما يصفه الجزائريون - قائد الاستخبارات العسكرية الفريق محمد مدين- المعروف بالجنرال توفيق وأحاله رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى التقاعد بعد ربع قرن من ترأسه جهاز الأمن العسكري.
كان الخبر صادما للجزائريين ، وأثار مخاوفهم ، خاصة عندما ترافق الإعلان عن تنحية الجنرال توفيق بحشد أمني بالعاصمة ، رغم أن القرار بحد ذاته من الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية "يحق له إنهاء مهام ضباط أو تمديد خدمة ضباط بعد سن التقاعد".
والجنرال توفيق تجاوز سن التقاعد أكثر من سبعة عشر عاما، وقدم استقالته أكثر من مرة لكنه بقي في منصبه على رأس الأمن العسكري بطلب من الرئيس بوتفليقة كما ذكرت بعض المصادر .
فلماذا يقيله إذن ؟
لم يكن الصراع في أعلى هرم السلطة خافيا على الجزائريين يوما فالتسريبات للصحف كانت عادية وأحيانا تطلق شخصيات محسوبة على هذا الطرف أو ذات تصريحات فتوحي بوجود صراع لكن الأمر ارتفعت حدته عام 2013 حينما بدأ الاستعداد للانتخابات الرئاسية في إبريل 2014 ومعروف في هذا الشأن أن كلمة الفصل في اختيار رئيس الجمهورية تعود لمؤسسة الاستخبارات العسكرية ، وهذا يعرفه الجزائريون وليس الأمر حديثا بل منذ تأسيس النظام الجزائري بعد الاستقلال عام 1962 .
والرئيس بوتفليقة جاء بهذه الطريقة بالتوافق بين الجيش والمخابرات وهو الأمر الذي جعل منافسيه الستة في الانتخابات الرئاسية عام 1999 ينسحبون دفعة واحدة لأنهم – كما قالوا في بيانهم آنذاك – إن نتائج الانتخابات محسومة لصالح مرشح الجيش ، وبالتالي انعدمت المنافسة .
وكانت علاقة الرجلين طيبة حتى أن مسألة صراع الأجنحة بالسلطة لم يقترب منهما لكن مرض الرئيس بوتفليقة وترشحه لعهدة رابعة جعل مركب الرجلين يصل إلى منحدر صعب حينما رفض الجنرال توفيق ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة لأسباب مرضه.
وكانت أجهزة الجنرال توفيق قد شرعت قبل ذلك بالتحقيق في قضايا فساد طالت مسؤولين كبار في الدولة منهم وزير الطاقة شكيب خليل وهو صديق طفولة للرئيس بوتفليقة وكان محسوبا من وزراء الرئيس، فأصدرت الشرطة القضائية مذكرة توقيف دولية ضده، أمر أغضب الرئيس بوتفليقة بعد عودته من رحلة العلاج بباريس في سبتمبر 2013 .
وفي نفس الشهر بدأ الرئيس بوتفليقة كوزير للدفاع بإقالة عدة جنرالات بعضهم من المقربين للجنرال توفيق ، وسحب الشرطة القضائية من تحت أمرته وأحالتها لقيادة أركان الجيش ، هي إجراءات من صلاحيات وزير الدفاع ، لكن توقيتها كان مؤشرا على خلاف بين الرجلين وصفها البعض بمعركة كسر عظم .
وسبق هذا كله ظهور ما يسمى "بالمال السياسي" أو الأثرياء الجدد وهو ما يراه المحلل السياسي الدكتور عبد العالي رزاقي أستاذ في جامعة الجزائر أن هذه الطبقة ظهرت نتيجة الفساد ، واستباحة المال العام.
وأضاف في تصريحه لمصر العربية "أن المال السياسي لعب دورا كبيرا في الدعاية الانتخابية ليس فقط في العهدة الرئاسية الثالثة للرئيس بوتفليقة عام 2009 ، بل في مسألة تعديل الدستور عام 2008 عندما أجاز التعديل فتح سقف عهدات رئيس الجمهورية بعدما كانت عهدتين فقط".
وأوضح أن هذه الطبقة المالية أصبحت قريبة من دائرة صنع القرار بل لها دور فيه ولأول مرة يقول رزاقي أن صناعة القرار دخل عليها متغير رابع ومؤثر وهو المال السياسي إلى جانب الثالوث المعروف الجيش والاستخبارات ورئاسة الجمهورية.
وتساءل رزاقي: "هل لعب المال السياسي دورا في التأليب على الجنرال توفيق لقصقصة جناحه وصولا لإقالته عندما تضررت مصالح تلك الطبقة من التحقيق بقضايا الفساد ؟" إلا أنه أكد أن الفساد ليس حديثا ففي العشر سنوات الأخيرة كانت فضائح الفساد تشغل الصحافة".
عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم ، وهو حزب اسلامي ،قال في تدوينة على صفحته بالفيس بوك " نحن لا يهمنا تغيير الأشخاص بقدر ما يهمنا تغيير المنظومة التي تحكم البلد والعقلية الأحادية التسلطية السائدة داخل المؤسسات الحاكمة".
وأضاف في أول ردّ فعل له على إحالة قائد المخابرات على التقاعد "تغيير الأشخاص لا يعني بالضرورة تمدين النظام السياسي".
Aucun commentaire :
Enregistrer un commentaire